محاكمة الجثة: قصة البابا فورموسوس وجلسة "السينودس الميت"
في أروقة الفاتيكان، وعلى مدار قرون، شهدت الكنيسة الكاثوليكية العديد من الأحداث الغريبة، لكن لا شيء يُقارن بما حدث في عام 897 ميلادي. ففي ذلك العام، تم إخراج جثة البابا السابق فورموسوس من قبره... ووضعت على كرسي الحكم لتمثل أمام محكمة دينية.
نعم، لقد كانت محاكمة رسمية لجثة ميتة!
---
من هو البابا فورموسوس؟
ولد فورموسوس في القرن التاسع الميلادي، وكان رجل دين بارزًا عُرف بفطنته السياسية وقدرته على إدارة العلاقات مع ممالك أوروبا. تم انتخابه بابا عام 891 ميلادية، في وقت كانت فيه إيطاليا غارقة في الفوضى، حيث الصراع بين الملوك والنبلاء ورجال الدين على أشده.
أثناء بابويته، دعم الإمبراطور الألماني أرنولف ضد الملك الإيطالي لامبرت، مما تسبب في عداوات كثيرة داخل الكنيسة، خصوصًا مع أنصار لامبرت وأسرة سبوليتو القوية.
---
وفاة البابا... لكنها لم تكن النهاية
بعد وفاته في عام 896، ظن الجميع أن صفحة فورموسوس طُويت. لكن خلفه، البابا ستيفان السادس، كان من ألد أعدائه، وقرر أن ينتقم منه حتى بعد موته.
فأمر بإخراج جثته من القبر – بعد 9 أشهر من وفاته – وجعلها تجلس على كرسي البابوية وهي مرتدية ثيابها البابوية كاملة، لتُحاكم كما لو كانت حية.
---
محاكمة الجثة: جلسة "السينودس الميت"
عُقدت جلسة المحاكمة في كنيسة لاتيرانو بروما، بحضور الكرادلة والأساقفة ورجال الدين.
وُضعت الجثة على العرش.
تم تعيين شماس للرد نيابة عن الجثة.
وُجهت لها تهم مثل "اغتصاب الكرسي البابوي" و"كسر القوانين الكنسية" و"الخيانة".
وفي نهاية المحاكمة العبثية، صدر الحكم:
إلغاء بابويته بأثر رجعي، وتجريده من كل صلاحياته، واعتبار قراراته لاغية.
ثم...
تم نزع ثياب البابا عنه.
قطعوا ثلاثة أصابع من يده (التي كان يبارك بها الناس).
ثم أُلقي بجثته في نهر التيبر.
---
رد فعل الشارع والكنيسة
لكن روما لم تسكت. كان الحدث صادمًا ومهينًا حتى بمعايير تلك العصور.
اندلعت احتجاجات من قبل العامة ورجال الدين.
أُجبر البابا ستيفان السادس على الفرار، ثم تم اعتقاله وخُنق حتى الموت بعد فترة قصيرة.
لاحقًا، أعيد دفن جثة فورموسوس في كاتدرائية القديس بطرس بكرامة، وتم إبطال كل قرارات المحاكمة رسميًا.
---
لماذا حدثت هذه المحاكمة؟
السياسة: كانت الكنيسة آنذاك ساحة للصراع بين الأسر الحاكمة، وكان منصب البابا أداة للسيطرة والنفوذ.
الانتقام الشخصي: البابا ستيفان السادس أراد محو إرث فورموسوس السياسي و"تشويه صورته" حتى بعد الموت.
الجنون الديني: بعض المؤرخين يرون أن ما حدث دليل على فقدان السيطرة داخل الكنيسة وانحدارها المؤقت في تلك الفترة.
---
السينودس الميت في الثقافة والتاريخ
محاكمة فورموسوس ألهمت العديد من الكتب، والمقالات، وأفلامًا وثائقية. وغالبًا ما تُذكر كمثال على التسييس الشديد للكنيسة، وعلى كيف يمكن للكراهية أن تمتد حتى للقبور.
---
رسالة القصة
قصة البابا فورموسوس لا تتحدث فقط عن حادثة غريبة، بل تكشف كيف يمكن للسلطة أن تفسد الدين، وتحوّل العدالة إلى أداة انتقام... حتى من الموتى.